لقد طرح شيئاً من هذا الموضوع العم سليمان , و باعتبار أنه لم يباشر البحث فيه , رغبت بأن أعود لأحيي هذا الموضوع مرة جديدة , لأنه بنظري يحوز على عدد كبير من الذين لديهم نفس هذه التساؤلات و من لديه حب هذه المعرفة , ربما كان للكثير منا فكرة ناضجة عن هذه الدراسات و لكن يجهل الكثير منا كيف و متى ومن هم أصحاب الفضل في هذه البحوث و من هم الذين ما زالوا يتابعون هذه الدراسات و البحوث , و ما هي آخر ما توصّلت إليه .
سأحاول قدر الإمكان ترجمة هذا البحث المختصر و الشامل تقريباً , و الذي أجرته مجموعة ال NATIONAL GEOGRAPHIC و الذي عرضته و أخرجت فيلماً عنه في أحد قنواتها التلفزيونيّة العلميّة .
يبحث هذا الموضوع أكبر الاكتشافات التي توصلت بنا إلى المعرفة التي لدينا الآن , بما فيه النظريات التي لم تحصل يوماً على قبول بشكل كامل في عصرها , و حتى في عصرنا هذا , يتكلّم عن خدعة مفصّلة أتاهت العلماء لسنين طويلة من الزمن , يدرس أيضاً العناصر الأساسية التي فصلت الإنسان عن القرد .
__________________________________________________ _____________________
من أين أتينا ؟؟..لقرون عديدة , أعظم و أكبر سؤال في تاريخ العلم لم يوجد له جواب علميّ .
ثم جاءت أول الشواهد أو الدلائل لأسلافنا من البشر لتثير معها ثورة علميّة .
هذه القصّة هي قصة البحث عن منشأ الجنس البشري .
إنها تروي قصة قرن و نصف من البحث المفرط و الكثيف , بحث كان يبني أو يدمّر عمل أعظم العلماء و الباحثين في هذا المجال , قليلين سمح لهم الحظ باكتشاف ليفتح النافذة على عالم و تاريخ خفي لأسلافنا من البشر . الآن و أخيراً من شظايا صغيرة و بقايا قليلة من الماضي , جمعت القصّة الكاملة أخيراً , تمتدّ إلى 300 ألف جيل , إلى ما يزيد عن 3 ملايين سنة , إنها قصّة تقدّمنا من قرد إلى إنسان .
APE to MAN
قصة البحث عن منشأ الإنسان هذه هي قصّة عظام و الحكايات التي ترويها كل منها , الفصل الأول من هذه القصة يبدأ هنا بعد أربعين ألف سنة مما حدث على باب هذا الكهف و اكتشاف هذا الرجل .
السنة هي 1856 م , الكهف يقع في وادي نياندور في ألمانيا , العمال ينقبون عن أحجار كلسية فهي عنصر أساسي في الصناعات الكيماويّة المحلية , لكنها مغطاة تحت طبقة من الصخور و التراب , العمال يتقاضون قروش قليلة كل يوم ليزيحوا هذا التراب و كل شيء فيه , ثم يضرب المعول شيء صوته يختلف عن صوت الصخر شكله يشبه سقف الجمجمة , و خوفاً من أن يكون هذا ضحية جريمة قتل , توقفوا ليعرضوه لمشرف العمل ليراه , بدت له مثيرة للانتباه و لكنه رأى هذه الأشياء من قبل فأرسلها مع بقية العظام لتكسّر مع بقية الصخور , لكن شيء ما جعله يغيّر رأيه فهو يعرف معلّم مدرسة , توقّع أن يكون له اهتمام بها , و بذلك أنقذ الجمجمة النبيلة , ما لم يكن له أن يتخيّله هو أنّ هذه الجمجمة لم ترى نور النهار لأربعين ألف سنة .
غرب أوروبا 400 قرن قبل الميلاد كان صاحب هذه الجمجمة مخلوق حيّ يتنفّس , إنه صياد والدٌ لأطفال و زعيم قبيلته , إنه فرد من أكثر المخلوقات البشريّة نجاحاً في أوروبا حتى ذلك الوقت , يطلق عليه اسم النياندورثال ... Neanderthal .
بعد أربعين ألف سنة البروفسيور يوهان فولراد معلم في مدرسة ثانويّة تصحّ له الفرصة لأن يرى هذه الجمجمة لأول مرّة , عالم جيولوجي مبتدىء و حاد الانتباه و أيضاً طالب سابق في علم التشريح , من أول نظرة رأى فيها الجمجمة عرف أن هذا الشيء هو شيء غريب و فوق العادة , تبدو أنها مستحاثّة و ليست عظم ما يعني أنها تعود لآلاف السنين , و من الواضح أنها ليست حيوان , و لكنها ليست أيضاً من إنسان معاصر .
( تبدو جمجمة النياندورثال الذي عاش قبل خمسين ألف سنة , كبيرة و كان له دماغ بحجم دماغ الإنسان المعاصر و أكبر منه أحياناً و تبدو طويلة و منخفضة , كما و يبدو الوجه و كأنه وجه الإنسان و لكن مسحوب إلى الأمام , كما أن له أنف كبير )
أكثر من 300 من بقايا النياندورثال اكتشفت حتى الآن و توزعت من أوروبا حتى الشرق الأوسط , و كلها تسرد نفس المعلومات , قامة قصيرة و قويّة جداً تتلائم تماماً مع المناخ و الطبيعة التي يعيش فيها , و هي طبيعة قاسية جداً , حيث كانت أوربا تدخل في بداية آخر عصر جليدي مرّ على الكرة الأرضية , حيث في غضون قرون قليلة قادمة ستنغمر أوروبا تحت طبقة من الجليد سماكتها بالأميال .
في هذا الوقت كان المناخ يتقلب بشكل هائل و سريع , و قد قاوموا أكبر التقلبات الخاطفة السريعة الباردة التي زحفت معها الأنهار الجليديّة .
الطريقة الوحيدة التي تستند عليها الحياة في هذا المناخ هي اتباع نظام غذائي غني بالبروتين , و هذا يعني إما أن تكون صياد ماهر و إما أن تجوع حتى الموت .
ما نعرفه من بقاياهم أن النياندورثال كانوا أقوياء جسديّاً , ولكنهم أيضاً كان لديهم ذلك الدماغ الكبير , الأدوات التي وجدت معهم كانت تقترح أنه كان لديهم تكنولوجيا متقدّمة في استعمال الأدوات الصخريّة , كان من الواجب أن تكون أسلحتهم جيدة دائماً , فإذا لم يكن الرمح جيد فالصيد سيفشل و معه صراعهم للبقاء .
كان رجال النياندورثال يعيلون عائلة أو مجموعة يزيد أفرادها عن الدزينة , و هم الآن في رحلة صيد , و لكن رحلة الصيد هذه طالت فقد مضى عليها ثلاثة أيام و غطوا أكثر من عشرة أميال دون أن يروا فريسة واحدة , ثم أخيراً عثروا على فضلات حيوانات ( تمتّع رجل النياندورثال بحاسّة شم قويّة تميزه عن كل الكائنات البشرية بسبب كبر تجوّف الأنف ) و منها عرفوا أنهم اقتربوا من غزلان , فمسحوا بفضلات الغزلان هذه جسدهم حتى يخفوا بها رائحتهم عند اقترابهم منه , هذا إذا استطاعوا الاقتراب منه , لقد اضطرّوا في الشهور القليلة الماضية أن يبعدوا و يمشوا كثيراً ليجدوا فريسة , عدد الغزلان قد انخفض و لكن ليس لديهم أي فكرة لماذا , ما لم يكن بعلمهم أنه أصبح لديهم منازع , و هذا المنازع سيدفع بهم يوماً ما إلى الإنقراض .
البرفوسور يوهان فولراد وضع يده على دليل لبقايا بشريّة قديمة غير معروفة للعلماء في ذلك الوقت , كان من الصعب جدّا أن يتوقّع ما هو هذا الكائن بدون أدلّة أخرى , وجدوا بعض العظام الأخرى و لكنها غير كافية .
أعطى فولراد العظام لعالم متخصص أكثر في هذا المجال و بالرغم من أنهم عثروا على بقايا و دلائل أخرى من نفس الكهف , لم يتمكنوا من معرفة هويته .
الآراء كانت كثيرة و متنوّعة , من بربري قاوم الرومان إلى روسي كوزاك ضائع , حتى أن بعضهم فكّر أنه مجرّد إنسان مشوّه , و لكن فكرة جديدة أخذت تتبلور , اقترح فولراد أن هذه الكائنات هم أسلاف البشر الحاليين , لكثير من العلماء بدى هذا الاقتراح هو الأكثر سخافةً و غير مقبول .
__________________
تحياتي ♥المديرة العامة ♥