الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معذرة للتاخير, فقد أطلت التفكير قبل البدء في الكتابة,
ومع ذلك ظل يلازمني الشعور بالتقصير.
أن الوقت الذي استخدمته لم يكفي لبلورة الأفكار كلها.
السبب في ذلك قد يكون أن ما أردت كتابته أحببت أن
لا يكون مكررا لما هو شائع ومعروف, فكان علي أن
أتناول الموضوع من زوايا مختلفة وبتحليل مختلف,
على الأقل لبعض الجوانب الملحة منه.
أهمية الاختراعات في حياتنا
إذا كان قد قيل: ليس بالطعام وحده يحيى الانسان,
فان الاختراع رافق الانسان منذ وجوده في هذه الأرض.
فالطعام الذي هو عنصر مهم من عناصر الحياة, يتطلب
تحضيره او إعداده وسائل ما كانت لتوجد لولا العقل المفكر
والمبدع الذي وهبه الله للإنسان.
فالحاجة تدفع الانسان إلى إيجاد الوسائل او البدائل للأشياء
الموجودة (الأقل كفاءة) لتكون أكثر تطورا منها وأعلى كفاءة.
ومن ذلك تتبلور أهمية الأشياء المخترعة على حسب اعتماد
استخدامها ومردود عطائها من تسهيل للصعوبات
وإيجاد ما لم يكن يوجد قديما.
فالسكين الذي لا نستغني عنه قديما وحديثا يعتبر من أهم
الاختراعات التي شهدت بعض التطوير في مواد صناعته وميكنته.
ثم لننظر إلى ما حولنا من المنتجات لنعرف أهمية الاختراعات
في حياتنا وكيف أننا لا نستطيع الاستغناء عن بعضها؟
كما لا احد ينكر أن بعض الاختراعات التي أسيئ استخدامها
كان لها آثار تدميرية للإنسان وبيئته.
إن نهضة الغرب الصناعية اعتمدت أساسا على القفزات
المتتالية التي كانت الاختراعات تحقن بها مفاصلها.
وكلما تنوعت ثقافات العقول المبدعة التي تحتضنها دولة ما
كان الازدهار الصناعي والاقتصادي والنفوذ السياسي حليفها.
واقرب مثل لذلك أمريكا التي تميزت باحتضان العقول
النازفة من بلدانها الأصلية.
ولا يفوتنا أن نشيد بتجربة الدولة الصغيرة السويد
وسياستها تجاه البحث العلمي والاختراعات.
فقد قطف المجتمع السويدي ثمار رعايته للإبداع
خاصة في المجال العلمي حيث إن الميزانية التي
ترصدها الحكومة لذلك كبيرة جدا.
كما أن مرونة التعامل مع الأشياء بحرية وشجاعة
أكسبت صناعتها صلابة قل نظيرها.
إذ أن تلك الخصال مهمة عند التعامل مع نتاج
البحوث والاختراعات خاصة في وسط بحر من
الدول العملاقة التي ما فتئت تعلوا أمواجها المتنافسة.
كما أن كثير من الدول التي تنعم اليوم بالرخاء
الاقتصادي لا تملك الموارد الطبيعية لكنها تعتمد في
دخلها أساسا على ما تنتجه مصانعها في حين أن الدول
التي تجلب منها المواد الأولية (الخام) لكثير من الصناعات
تعيش شعوبها في تخلف وفقر مطقع!
فالكنز لا يحقق الرخاء ولا المنفعة إن ظل رابضا مخزونا
لا يستخدم بإتقان وكفاءة بل يصبح طامة وبلاءا عندما
يتقاتل عليه الطامعون كما يحدث اليوم مع الألماس
الذي ينتج جله في بعض الدول الإفريقية الأكثر فقرا.
والكنز يرتفع قيمته على حسب نسبة استعماله وتداوله
بكفاءة وكذلك أهمية المجال الذي يستخدم فيه وكل هذا
عن طريق الوسائل المخترعة.
فاليورانيوم الذي يعتبر أغلى من الذهب لم يكن له أهمية
قبل عدة عقود من الزمان, لكن إيجاد الوسائل التي يمكن
الاستفادة منه جعلته مهم جدا في عصرنا الذري.
اذا, بعض الوسائل المخترعة هي كنز في حد ذاتها.
لولا الاختراعات ما بلغ الانسان سطح
القمر ولا غاص في لج البحر.
والأمثلة كثيرة هي, وقد لا يسعها إلا خيال
المتخيل بل من يتمتع بسعة الخيال.
اتمنى ان لا يفهم من بعض كلامي أنني أتحامل على بعض الجهات,
لكنه انعكاس للواقع الذي عايشت الكثير منه عن كثب ورصد لبعض
مما عايشه غيري.
وان حدت قليلا او كثيرا عن المنهج الأكاديمي الصرف عند تناولي لهذا
الموضوع فإنما ذلك ليس تعمدا مني ولكن إلحاح الواقع الذي يتمنى
الكثيرون تغيره إلى الأفضل قبل فوات الأوان.
تعريف الاختراع
ليس هناك تعريف محدد للاختراع تتقيد به كل الجهات المعنية به.
فتجد مثلا صياغة تعريف الاختراع تختلف من عالم متخصص عن
عالم آخر ومن دولة ما عن دولة أخرى, مما يجعل بعض المهتمين
بهذا المجال في حيرة من أمرهم.
وهناك من يجد الصعوبة في التفريق بين مفهوم الاختراع والاكتشاف
كالعالم "كروبر" والعالم "هاري سون" .
إلا أننا في هذه العجالة لن نغوص عميقا في بحور التعريف الواسع
ومتاهاته, ويكفي أن نركز هنا على نقاط عامة متداولة ومتوافقة المفهوم
وان اختلفت الصياغة اللغوية او المرامي القانونية او الأسلوب في ترتيب
التعريف حسب الأهمية.
وقد تعطي هذه الفضفضة في التعريف لبعض الجهات العاملة فيه مجالا
للمناورة تحصد من خلاله فوائد علمية او تجارية او لحاجة في أنفسهم
(وهذه النقطة الأخيرة قد نتطرق إليها فيما بعد إن شاء الله).
ربما الدوافع السياسية والعسكرية تلعب اليوم دورا كبيرا في توسيع هوة
إشكالية التعريف لتلك المفاهيم أكثر من الدوافع الأخرى.
ولتوضيح مفهوم الاختراع أكثر قد نجد ترادفا او قل تشابها لهذا في المجال
الأدبي, مثل أن تكون الكلمات في لغة ما موجودة أصلا ومتداولة, لكن من
يخرج لنا بحكمة او شعر او...نتيجة ترتيبه للكلمات بطريقة معينة يعبر او
يصف موقف معين مألوف فان هذا لا يلفت انتباهنا فحسب بل يثير إعجابنا
إلى درجة وصف العمل بالإبداع.
(وكانت كلمة الابتداع هي المستعملة قديما قبل أن تستبدل بالمفاهيم الحديثة).
ومن هنا نلاحظ أن كلمة إبداع (التي غالبا ما تستخدم في المجال الأدبي)
تبدوا الكلمة المرادفة او المقابلة لكلمة الاختراع التي باتت تستخدم في
المجال العلمي التطبيقي).
وفي الثقافة العربية غالبا ما يدخل الاختراع تحت عباءة الإبداع إلا
أن الكلمة الأخيرة تستخدم بشكل واسع في المجال الأدبي.
في الغالب الأعم ليس الاختراع بعيدا عن الإبداع وان كان مجال
التطبيق لكل منهما يوسع بعد التعريف بينهما.
والمخترع لا يأتي بالأشياء من العدم لكنه يتمكن من اقتباس الأشكال
او الحركات الميكانيكية وغيرها من محيطه الطبيعي او الصناعي
ويحسن استخدام واستغلال الموجود من الأشياء الأولية او الوسائل
ليخرجها في شكل جديد ودور جديد.
فالاختراع إذا إن جاز لنا محاصرة بعض جوانبه المتداولة بالقول :
هو عبارة عن تقليد او تنمية او استغلال واعي, بعيدا
عن الصدفة إلى حد ما (عند تنفيذه), لبعض الظواهر الطبيعية
او الثقافية القائمة, بشكل مباشر لبعض منها, وبشكل غير مباشر
للبعض الآخر.
فالطيور هي التي أوحت للإنسان بفكرة صناعة الطائرة التي تعتبر
بدائية جدا مقارنة بها. فالجناح في للطيور يقوم مقام الدفع والتحكم في
التوازن وأشياء أخرى وهذا بأقل طاقة في حين أن الطائرة...
إن خلاصة ما سبق ذكره وما سوف نورده لاحقا يفرض علينا أن نطلق
بعض التعريفات بلا تردد وليس لأنه يوجد تعريف مثله متعارف عليه بذات
المصطلح, إلا انه يوجد مفسرا بعدد كبير من الصفحات.
فالواقع يجبرنا بعض الأحيان أن نسمي الأمور بمختصر جديد لمسميات
ظلت مشتتة في الواقع ومفسرة بكلمات تملا الصفحات تنتظر من يتشجع
ليضعها في قولبها المناسب الذي قد يعارضه البعض ويوافق عليه البعض
الآخر, كما يحدث مع أشياء كثيرة في الحياة.
لكن المهم هو أن يعبر ذلك المفهوم عن ما في الواقع ويزيل عنه الغشاوة
ليطابق بذلك ما يكمن في صدور من تحاول التعبير عنهم
ممن تعثر في فيهم التعبير.
--------------------------------------------------------------------------------
منتج جديد يكتسح الأسواق, ويحتل قمم الإعلانات, ويحقق الربح السريع, فهو
الذي يفرض نوعية التعريف الذي سوف يطلق عليه. أي يقلب الميزان فينتزع
التعريف او يرتقي أدراجه فإذا كان مجرد فكرة يصبح ابتكارا وإذا كان ابتكارا
يكتسب صفة الاختراع وهكذا. فكما قيل: إن الدراهم تزيد الرجال مهابة فهي
اللسان لمن أراد فصاحة وهي السيف لمن أراد قتالا.
الشركة القوية او التاجر القوي قد يفرض على الجهات المعنية بالبحوث او
الاختراعات الوصف الذي يريد لمنتجه أن يحوز به.
الجهات العلمية الشريفة قد تعارض ذلك لكن معارضتها تطغى عليها قوة
الشركات التي تفرض ما تريده.
ففي كثير من الدول الصناعية تجد الشركات هي تسير الدولة وليس العكس
او كما يجب أن يكون.
لذلك تجد بعض الأحيان أن المنتج العادي الذي لا يحقق أهم شروط الارتقاء
لدرجة الاختراع ينال براءة الاختراع, في حين أن الاختراع الذي يستحق
أن ينال البراءة يهمل ويرفض!
ولا أبالغ إن شبهت ذلك ببعض الأغاني التجارية الهابطة التي تكتسح الأسواق
والأوراق رغم افتقارها لأهم مقومات الأغنية التي ظلت معتمدة من الجهات
المهتمة بالفن الراقي.
وهذا يعني ومما سبق ذكره آنفا أن التعريف قد يخضع أحيانا لقوة المتقدم
للحصول على البراءة وكذلك رغبته في إدراج منتجه تحت بند براءة
الاختراع لأسباب قد يستغربها البعض.
وهناك نقاش واسع حول رغبة بعض شركات برمجيات الحواسيب وغيرها
لتسجيل منتجاتها تحت بند براءة الاختراع .
إن إخضاع القانون لتفسير صاحب القوة ليس غريبا في عالمنا, فنحن نشهد في
هذا العصر كيف تضرب القوة العظمى بالقوانين ارض الحائط إذا ما عارض
مصالحها وكيف تخضعه لتفسيرها.
التعريف التعجيزي
بعض الجهات تستغل فضفضة التعريف لمصطلح الاختراع
عندما يكون المتقدم للحصول على البراءة او الدعم المادي
للاستمرار في طريق تسجيل البراءة شخص غير مرغوب
فيه لأسباب دينية او عرقية او سياسية.
ولا ينتهي الأمر برفض طلبه بطرق تعجيزية بل يتجاوز ذلك
إلى سرقة فكرته وتحويرها او إدخال التعديلات اللازمة لتلافي
الملاحقة القانونية وهذا الأمر شائع في كثير من بلاد الغرب .
الأفارقة والمسلمون خاصة العرب منهم أكثر من يعاني من مثل
هذا التمييز العنصري الجائر.
لكن ماذا حصد العالم من مثل هذا الظلم الواقع على فئة مبدعة
من المجتمع؟ سؤال يحتاج إلى التوسع في الإجابة عليه في غير
هذا الجزء من الموضوع.
والدوافع لمثل هذه التصرفات عديدة منها بل وأهمها نوعية الفئة
المتحكمة على مراكز البحوث والاختراعات.
لكون المال عصب الحياة فالاختراعات تعتبر من أهم المصادر التي
حققت للغرب (وبعض بلدان الشرق الأقصى في آسيا) نهضته
الصناعية التي ينعم بها, لذلك تجد أهل الغرب يحيطون الاختراعات او
المخترعين منهم بهالة اقرب ما تكون إلى التقديس..
وهذه الميزة لا يحب البعض منهم أن يقترب منها كل من يعتبر من
المهمشين او المنبوذين عبر العصور غير المتأخرة.
بل أن البعض يستخسر على الشخص من ذوي أصول العالم
الثالث أن يراه في الشارع وهو مرتدي ملابس أنيقة وفاخرة او راكبا
سيارة فارهة فضلا عن أن يراه مخترعا او غنيا يسيل لعاب الطامع.
ومن غامر ووصل مجد الغنى والشهرة فبعبع المطاردات والملاحقات
له بالمرصاد و لا يهدأ لهم البال حتى يقذفون به في هوة الإفلاس كما قد
يكون حدث مع مايكل جاكسون وتايسون, ثم دودي الفايد الذي تخطي هو
وأميرته الخطوط الحمراء التي لا تتحمل التحدي السافر, فكان جزائهما
المصير المعروف.
(قصة المليونير الهندي الذي يخشى من تحسين مظهره)
ومثل هذه الصور والتصرفات تنطبق أيضا على تعامل بعض الدول مع
دول العالم الثالث التي تعتبر منتجة لاحتياجات العالم الأول والثاني من
المواد الأولية والموارد كالألماس والذهب والبترول والمنتجات الزراعية
وغيرها او كما يعتبرها البعض الآخر مكبا للنفايات السامة شاءت أم أبت.
وكأن بعض الناس يتمتعون أن يرو إخوانهم في الإنسانية القادمون من العالم
الثالث وهم يعملون دوما في الكنس, والتنظيف او الإجرام تتناقل أخبارهم
وصورهم أجهزة الإعلام او مدمنين للخمر والمخدرات مهملين او حتى فقراء
عراة حفاة يتسولون لقمتهم ممن يشعرون بالتفوق عليهم. وتجد أيضا من يعتبر
أن موارد الأرض والكواكب كلها ملكا له ولأحفاده. وأن كل من يدب عليها
عبدا مسخرا لخدمته.
الاختراع الناجح يمكن أن يؤدي بصاحبه إلى تحقيق أموالا هائلة وهذا ما
لا ترغب فيه بعض الجهات الآنفة الذكر لتلك الفئات المهمشة في المجتمع
أن تكتسب القوة بكسب الأموال عن طريق مصدر مهم لكسب المال المربح.
وماذا بعد؟!
كثيرا ما يحدث أن اختراعا ما كان يستخدم في مجال معين فيكتشف
شخص آخر مجال استخدام جديد وأوسع وأكثر أهمية لم يخطر على
بال غيره من الناس بما فيهم المخترع للمنتج المتداول, ولولا هذا الشخص
الآخر لما حقق ذاك الاختراع قفزة في أهميته وشهرته.
فماذا نسمي الشخص الأخير الذي قام باكتشاف مجال جديد للاستخدام؟
مكتشف؟ أم ماذا! وما هي الفوائد التي يجنيها من ذلك.
لذلك تجد الشباب منشغل بأشياء أخرى
ولا يجد من يحسن توجيه طاقاته الابداعية.
وقد كان لي تواصل مع بعض الشباب
المهندسين من العرب كان يطمح في انجاز
مشروع صناعة السيارات التي تعمل بالطاقة
الشمسية, فأكتشفت انهم لا يملكون
سوى الطموح!
اغلب جامعاتنا لا تحسن الا حشو ادمغة الطلاب
بنظريات وجدليات عفى عليها الزمن.
بقليل من الجهد والدعم المادي والتوجيه كان سيحالف
المشروع نجاحا غير مبالغ فيه, لكن اصاب الشباب اليأس
بعد تكرار تجاهلم من كل الجهات.
وقد صار مثل هذا, شيئا بديهيا في العالم العربي.
واتمنى ان لا تتكرر مثل هذه التجارب الفاشلة فعنفوان الشباب
قد يدفع البعض الى لفت الانظار التي تتجاهله بطرق لا تحمد
عقباها. وقد نوهنا بهذا في اكثر من موقف ومنذ زمن
طويل لكن وكما قيل:
إن ناديت حيا لأسمعت لكن لا حياة لمن تنادي
ولو نفخت في نار لأوقدتها لكنك تنفخ في رماد
يبدوا ان كثيرا من الجهات تحسن الانتظار لحين انسكاب
الحليب حتى تتباكى عليه.
ومن المعروف ان العلاج اكثر تكلفة من الوقاية.
قوانين حماية الاختراع بموجب براءة
الاختراع سن في العصر الحديث.
فقديما كانت الشعوب او الإمبراطوريات
بل حتى الأشخاص المخترعين
يحمون نتائج أفكارهم القابلة للتطبيق
العملي (ومنها المكونات الطبية) عن
طريق التكتم او عدم الإفساح عن أسرارها
قدر الإمكان وهذا لخارج الوسط الذي تصنع
فيه ثمرة الفكرة, مثل قصر الإمبراطور
او مصانع العائلات المصنعة التي تتوارث
الفكرة جيل بعد جيل.
ومن يفشي أسرار الفكرة او الصنعة كان
يعتبر خائنا يستحق عقوبة قاسية كما في
بعض الدول (مثل الإعدام)!
(لا يزال هذا الأسلوب يستخدم في بعض
الدول في العصر الحديث بطريقة مباشرة
او غير مباشرة مثل الاغتيالات, هذا خاصة
مع الاختراعات التي تعتبر حساسة
كالاختراعات العسكرية).
حضارة الصين القديمة مثلا كانت تعتبر
مميزة في ريادتها لهذا المجال, لذلك كانت
تحمي اكتشافاتها او اختراعاتها ومنها الحرير
الطبيعي عن طريق التكتم على سر صناعته
(لم يعرف الحرير الصناعي إلا في العصر الحديث)
وربما كان ذلك الأسلوب من الحماية
الأوحد في ذلك الحين.
وكانت بعض الشعوب الأخرى وعلى رأسها الغرب
(أوربا) تستميت لمعرفة سر المنتج او سرقته.
ورؤوس فلاسفة "الغرب" حينها كانوا يبحثون
ويحللون ويخمنون للتوصل إلى سر صناعة الحرير.
واقرب تخمين إلى الحقيقة كان ما توصل إليه فيلسوف
يوناني ربما سقراط او أفلاطون, فقد حاصر الموضوع قائلا:
إذا كان ينتج الحرير في مكان ضيق فلا بد أن ما تنتج مادته
حشرة صغيرة وليس حيوان كبير.
إذا, الذي كان شائعا في القدم للحماية هو
أسلوب التكتم على سر الصنعة او الاختراع.
والاستماتة في سرقة سر المنتج كان الأسلوب
المضاد لكسر الطوق المضروب عليه.
وهذا الأسلوب الأخير متفشي أيضا في عصرنا هذا.
إن الغرب في تلك العصور الغابرة كان أكثر
من استغل المخترعات الصينية دون اخذ
الإذن من صاحبة الاختراع التي كانت
تعارض خروج أفكارها لخارج حدودها.
واليوم تعتبر الصين أكثر الدول التي تسرق
او تنتج المنتجات والاختراعات الغربية
دون اخذ الإذن منه, وكأنها بذلك تنتقم
من الغرب على ما كان يفعله معها!
(ربما دون أن تفطن لذلك منها, الثأر القديم)
فالدنيا تتأرجح في توازن عجيب
وكما قيل لكل من يعيش فيها:
افعل ما شئت, فكما تدين تدان.
في بعض الأحيان قد يتوصل شخص
ما إلى اختراعً هامً جداً دون أن
يدري بأهميته, فيضيع عليه وعلى
شعبه ملكيته لأنهم لم يسارعوا إلى
تسجيله رسمياً في السجلات الخاصة بذلك.
السائد حديثا, إذا استوفي الاختراع
عدة معايير يكون أهلا للحماية
بموجب البراءة.
وبعضا من تلك المعايير هي الأهمّ
في تحديد الأهلية للحماية وهي:
أن يكون موضوع الاختراع
قابلا للحماية بموجب البراءة.
أن يكون الاختراع قابلا للتطبيق
(أو مفيدا، حسب بعض البلدان,
وقد دخل العامل البيئي أيضا في
الحسبان عند دول أخرى).
وأن يكون جديدا ملفتا او مستحدثا
ينطوي على نشاط ابتكاري.
(أي أن لا يكون بديهيا للمتخصص
في نفس المجال).
وأن يستوفي الكشف عن الاختراع
في طلب البراءة معايير موضوعية
وشكلية محدّدة (تقتصر على فكرة
بعينها للموضوع الواحد).
ظاهرة غياب (او تغييب) العقول المبتكرة في بلادنا بصورة ملفتة
دفعت المسئولين في بعض بلداننا لتطبيق طرق جديدة للتدريس تتمثل
في مخاطبة العقل بالصور وهذا بإثارة وتنشيط جزء مهم من الدماغ
ظل خاملا تحت وطأة طرق التدريس القديمة والتي فشلت في تنشيط
ومخاطبة هذا الجزء المبدع من الدماغ باحترام.
إذ أن الطرق التي ظلت متبعة تعتمد على أسلوب الحشو النظري,
وكأن عقول الطلاب أرغفة لا تستحق إلا الحشو بطعام يفتقر للعناصر
المهمة من الفيتامينات كحال معظم أطعمة الطلاب في مدارسنا اليوم.
(علما أن بعض الدول المتقدمة تقنيا كالسويد لا تكتفي بتغذية العقل
من الخارج بل تهتم أيضا بتغذيته من الداخل وهذا بتخصيص وجبات
مجانية يومية للطلاب معدة بعناية تحت إشراف الخبراء).
الانسان بطبيعته يتمتع بعقل مبتكر ولا أريد استخدام الاصطلاح
المتداول "عقل خلاق".
عند تناولنا مثل هذا الموضوع يجب الأخذ في الحسبان ما هو
متواجد من الرؤى وما يجب أن يتوفر, وعدم المبالغة في تبسيط
الأمر او التضخيم فيه أكثر مما هو مضخم أصلا محاطا بتلك الهالة
التي يجب أن يتجاوزها الواقع وأهله.
البداية في تكوين العقل المبتكر تكمن في زرع الثقة في النفس وشيئا
من حب المغامرة والمثابرة في تجاوز العوائق العادية والمصطنعة.
كما أن حسن استغلال الفرص تعتبر من أهم عوامل النجاح لمن
لا يتحمل صعوبات صناعة الفرص وإيجادها.
فبعض الناس يضيعون الفرص التي تأتيهم في حين أن البعض الآخر
يحاول إيجادها ولا يضيع عمره في انتظار الفرص التي قد لا تأتي أبدا.
إن تبسيط تعريف الاختراع بدون مبالغة قد يسهل لنا في احتواء تناثر
الطرق المتفرعة لتنتهي في نقطة محددة قابلة للتنفيذ في ارض الواقع:
فالاختراع وما هو على شاكلته يعتبر
حل لمشكلة بطريقة عملية غير مسبوقة.
فالمشاكل والتعقيدات في الحياة لا تحتاج للبحث عنها فهي
موجودة معلنة عن نفسها إلا أن الحلول هي المفقودة.
إيجاد ما لم يكن مألوفا كانت في الغالب تفرضه الحاجة قبل حب
المغامرة والبحث المنظم, كما أن عامل الصدفة كان لها دورا كبيرا
في عالم الاختراعات والاكتشافات.
إذ أن كثيرا من الاختراعات جاءت نتيجة الصدفة ونجحت
بفضل الله على أيدي من اجتهدوا في إخراجها إلى ارض الواقع.
التصنيف في هذا المجال:
* مخترع محترف (الموهبة)
* مخترع المرة الواحدة (بالصدفة) ,
البعض له القابلية في الاستمرار.
* مخترع نتيجة الوسط البيئي (بالتعلم والتدرب او المهنة),
أو أن الوسط التقني المتطور قد يكون له دور
في تولد الأفكار بالاستدراج غير المدبر.
* مخترعين بحاثة (اخترع نتيجة البحث الجماعي)
* وبعض الناس مخترعين لكنهم لا يعرفون أنهم كذلك!
* وهناك أيضا صنف من الناس يخترع للمرة الواحدة
ويتوهم انه مخترع محترف حتى يفيق تحت سندان الواقع
القاسي لكن بعد دفع الثمن باهظا.
هناك من يحسن استغلال الصدفة ويتفكر
ليعرف لماذا سقطت التفاحة.
فاسحق نيوتن لم يكتفي بالتفكير في سقوط التفاحة بل
حلل واستنتج وقرر...حتى توصل إلى مفهوم الجاذبية.
وهذا ما لم يتوصل إليه غيره علنا أي لم
يعرف أن أعلن عنه شخص آخر قبله.
إذا, الانسان مطلوب منه أن يتفكر في نفسه وفي ما
حوله من المخلوقات ما دام يحمل في رأسه عقلا.
فانتباه المتفكر يوصل إلى صبر أغوار الأشياء المألوفة الحدوث.
وهناك صنف من الناس من ينشغل بإيجاد الجديد من
الأشياء وهذه الهواية تطغى على حياته إلى درجة الاحتراف
فتصبح عنده أهم من الطعام او الزواج او...
فترى البعض يجوع نفسه من اجل أن يشتري ما يكمل به مشروعه
المبتكر! وآخر ينسى يوم زفافه لإغراقه في معمله كما حدث مع
العالم البحاثة الذي نسى يوم زفافه إلى درجة أن العروس تركت
مكان الزفاف لتحضر عريسها من مكانه المجهول لسواها قائلة
للحضور المنتظرين في موقف محرج لها: اعرف أين يقبع العريس
الآن! وذهبت وأحضرته من معمله وهو يرتدي ملابس المعمل الرثة.
لا اسرد هذه القصة للإطالة في الحديث لكن لأنوه انه لمن المهد جدا
أن يتفهمك من حولك حين تعمل للتضحية من اجلهم, من اجل أن
تنفعهم وأنت تقاسي الحرمان من أهم الأشياء التي تحتاجها.
فالمخترع الحقيقي او الباحث تراه لا يكتفي بان يجعل بيته مكان
للتجارب بل قد يصل به الأمر بان يجعل نفسه فارا للتجارب!
يتعذب والناس حوله يضحكون ويسخرون منه!
يخاطر بتحليقه في السماء ليتمتع غيره بالطيران!
والناس في الغالب هكذا, يسخرون مما يجهلون حتى لو كان
هذا الشيء الجديد, جاء به رسولا مرسلا.
حتى قال البعض: لا يكون الشيء الجديد ذا وقع وأهمية
إن لم يسخر منه الناس في البداية.
فلا يبتئسن كل من يحمل رسالة او شعلة ينير بها طريق من
يحبهم بل ومن يسخرون منه أيضا.
ماذا أبقوا لك أن تخترع بعد كل هذه الاختراعات المهولة؟
هكذا قد يسأل بعض المثبطين ولا يعلمون أن الاختراع مستمر
ما دام هناك حاجات في بيئة يتواجد فيها عقل يحسن استغلاله.
فاليوم تجد من يسخرون منك, يصفقون لك غدا,
في يوم النجاح!
في مثل تلك الأجواء من المهم أن تكون
هناك أم مثل أم المخترع أديسون.
ومن المهم أن تكون هناك زوجة مثل زوجة
العالم الذي ذكرنا قصته آنفا.
من المهم أن يتفهمك الوسط الذي تعمل فيه
وتجد فيه التقدير لتفانيك في إنجازه حتى
وان لم ينجح ما تحاول إنجازه.
يكفي انك جربت ولم تضيع وقتك
جالسا في المقاهي او نائما ...
يكفي فخرا انك اجتهدت,
فلك مجتهد نصيب كما يقال.
ولكل تجربة ثمن, والخبرة لا تضيع
سدا إن كانت في يد أمينة وإنسان مقدر.
الثقة من أهم عوامل النجاح واليأس هو الفشل بعينه.
لا بد من الانتباه في عدم تكرار ما هو متواجد او ما
لا طائل من صناعته فالجهد والمال والوقت أولى في
أن يستخدم في ما هو أكثر أهمية ثم الأهم فالمهم.
فلا بد من ترتيب الأفكار المبتكرة حسب الأهمية
وإمكانية تطبيقها في ارض الواقع.
الاستعانة بالخبير شيء لا بد منه وهناك في بعض
الدول مراكز يمكن الاستعانة بها بحذر.
.
.